[url=حسن الخلق في القرآن الكريم والسنة النبوية]حسن الخلق في القرآن الكريم والسنة النبوية[/url]
ل
قد دعا الإسلام إلى الأخلاق الكريمة دعوة عامة وذلك من خلال القرآن الكريم والسنّة المطهرة، ومن ذلك قوله تعالى ( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً )،
في هذهِ الآية الشريفة دعوة إلى المحاورة بالأسلوب الطيب والجميل، وفي قوله تعالى (إِنَّ اَللهَ يَامُرُبِالْعَدْلِ وَالاِحْسَانِ وَإِيتَاءِىْ ذِي الَقُرْبَاى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )، في هذهِ الآية الشريفة دعوة إلى ترك الأخلاق الرذيلة والابتعاد عنها، ونجد أيضاً أن القرآن قد فصل الأخلاق في آيات عديدة منها قوله تعالى ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً )، فهذهِ الآية تدل على الوفاء بالعهد، وآية أخرى ترشد على النهي بلا علم، قال تعالى ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً )، ونهى الله تعالى أيضاً عن الإسراف والتبذير والبخل والتقتير في قوله تعالى ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً )، وهناك آيات كثيرة في علم الأخلاق ودعوة القرآن الكريم والسنة إليه، ففي هذهِ الآيات دلالة واضحة على أهمية الأخلاق في الإسلام والسنة النبوية الشريفة .
واهتمت السنة النبوية الشريفة بحسن خلق، وذلك لاهتمام القرآن بها حيث نجد أن الله سبحانه وتعالى قد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم فقال جل جلاله ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )، في هذهِ الآية إشارة، كأن حسن الخلق عرشٌ، وتربع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن حسن الخلق هو ينبع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا لما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول قالت: ( كان خلقه القرآن )، هذا سيد الخلق يتصف بهذهِ الصفات الجليلة ونراه يحث عليها ويأمر بها كما جاءت في الأحاديث الشريفة منها:
عن النواس بن سمعان الأنصاري قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم ؟ فقال: البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ) " أخرجه الإمام مسلم برقم (2553)
وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وأن الله يبغض الفاحش البذيء )
" أخرجه الإمام الترمذي بسند صحيح برقم (2002)"
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم ) " أخرجه الإمام الترمذي بسند حسن صحيح برقم (1162)"
وهناك أحاديث كثيرة تدل على حسن الخلق أذكر بعضاً منها للاختصار
بعد بيان أهمية حسن الخلق في القرآن والسنة النبوية المشرفة نجد أن لحسن الخلق أهمية كبيرة وأنه صفةً يجب أن تكون متلازمةً مع كل داعيةً ، وذلك حينما وصفت السيدة خديجة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ( كَلا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ) " أخرجه الإمام البخاري من حديث طويل برقم (3)"
قال الحافظ ابن حجر: الحسن فقال الراغب هو عبارة عن كل مرغوب فيه إما من جهة العقل وإما من جهة العرض وإما من جهة الحسن وأكثر ما يقال في عرف العامة فيما يدرك بالبصر وأكثر ما جاء في الشرع فيما يدرك بالبصيرة انتهى ملخصا وأما الخلق فهو بضم الخاء واللام ويجوز سكونها قال الراغب الخلق والخلق يعني بالفتح وبالضم في الأصل بمعنى واحد كالشرب والشرب لكن خص الخلق الذي بالفتح بالهيئات والصور المدركة بالبصر وخص الخلق الذي بالضم بالقوي والسجايا المدركة بالبصيرة انتهى وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي أخرجه أحمد وصححه بن حبان ، وفي حديث علي الطويل في دعاء الافتتاح عند مسلم واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت.
وقال القرطبي في المفهم: الأخلاق أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره وهي محمودة ومذمومة فالمحمودة على الإجمال أن تكون مع غيرك على نفسك فتنصف منها ولا تنصف لها وعلى التفصيل العفو والحلم والجود والصبر وتحمل الأذى والرحمة والشفقة وقضاء الحوائج والتوادد ولين الجانب ونحو ذلك والمذموم منها ضد ذلك.
وقال الإمام النووي: قال الحسن البصري: حقيقة حسن الخلق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه قال القاضي عياض هو مخالطة الناس بالجميل والبشر والتودد لهم والإشفاق عليهم واحتمالهم والحلم عنهم والصبر عليهم في المكاره وترك الكبر والاستطالة عليهم ومجانبة الغلظ والغضب والمؤاخذة.
ونقل المباركافوري قول ابن رجب الحنبلي عن حسن الخلق قال: قال ابن رجب في كتابه جامع العلوم والحكم قد روى عن السلف تفسير حسن الخلق فعن الحسن قال: حسن الخلق الكرم والبذلة والاحتمال وعن الشعبي قال: حسن الخلق البلة والعطية والبشر الحسن وكان الشعبي كذلك وسئل سلام بن أبي مطيع عن حسن الخلق فأنشد شعرا فقال: تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله وقال الإمام أحمد: حسن الخلق أن لا تغضب ولا تحقد وعنه أنه قال: حسن الخلق أن تحتمل ما يكون من الناس وقال إسحاق بن راهويه: هو بسط الوجه وأن لا تغضب ونحو ذلك قال محمد بن نصر.
قال الصلابي في السيرة النبوية: فأن من جُبلَ على مكارم الأخلاق لا يخزيه الله أبداً، فقد وصفته بأنه يصل الرحم، وكون يصل أقاربه دليلاً على استعداده النفسي لبذل الخير والإحسان إلى الناس، فأن أقارب الإنسان هم المرآة الأولى لكشف أخلاقه فإن نجح في احتواء أقاربه وكسبهم بما له عليهم من معروف، كان طبيعياً أن ينجح في كسب غيرهم من الناس.
وأضاف: وتبين أن صاحب الخلق الذي يتحلى به يكون في فلاح في الدنيا ولن يتعرض للخزي لأن الله فطره على مكارم الأخلاق.
وقال عبد الكريم زيدان في أصول الدعوة: وللأخلاق أهمية بالغة لما لها من تأثير كبير في سلوك الإنسان وما يصدر عنه، بل تستطيع أن تقول: إن سلوك الإنسان موافق لما هو مستقر في نفسه من معان وصفات، فأفعال الإنسان موصولة دائماً بما في نفسه من معانٍ وصفات صلة فروع الشجرة بأصولها المغيبة في التراب .. ومعنى ذلك أن صلاح أفعال الإنسان بصلاح أخلاقه لأن الفرع بأصله، إذا صلح الأصل صلح الفرع، وإذا فسد الأصل فسد الفرع ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) ولهذا كان النهج السديد في إصلاح الناس وتقويم سلوكهم وتيسير سبل الحياة الطيبة لهم أن يبدأ المصلحون بإصلاح النفوس وتزكيتها وغرس معاني الأخلاق الجيدة فيها، ولهذا أكد الإسلام على صلاح النفوس.
المصادر
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، شرح النووي على مسلم، تحفة الأحوذي، السيرة النبوية للصلابي، أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان
في أمان الله