الأمة والدولة.. واحتفاء برضوان السيد
بيروت - العرب | 2012-06-16
صدر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر في بيروت كتاب «الأمة والدولة والتاريخ والمصائر» الذي يضم مجموعة من الدراسات المهداة إلى الدكتور رضوان السيد، شارك فيها عدد كبير من المثقفين العرب من المغرب إلى الخليج.
ما قدم الصديق رضوان السيد نفسه منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، باعتباره باحثاً في تاريخ الفكر العربي الإسلامي، ولا باعتباره فقيهاً إصلاحياً أو عارفاً بالاستشراق، أو بالفكر الفلسفي الألماني، أو مناضلاً ضد أفكار وتيارات الإسلام السياسي، أو صانعاً لتيارات فكرية من خلال المجلات الكبرى التي أشرف على إصدارها؛ بل ظل يُصر بين الجد والهزل على أنه رضوان نايف السيد من ترشيش. وترشيش -مسقط رأس رضوان- لمن لا يعرفها قرية في أعالي جبل لبنان، دمرتها الحرب الأهلية اللبنانية في بداياتها (1975-1977)، للنزاع الذي اندلع فيها –كما في سائر أنحاء لبنان- بين المسيحيين والمسلمين، على خلفية الصراع في لبنان والمنطقة، على المقاومة الفلسطينية التي استقرت بلبنان، بعد هزيمة 1967. بيد أن هذا العنوان الريفي الذي يحب الصديق الكبير تقديمه تعريفاً بنفسه وعنها، لا يبدو في أعماله العلمية، ولا في مقالاته التي تتخذ طابع السيرة الذاتية أحياناً، إلا إذا استثنينا الإهداءات على بعض كتبه، والتي يذكر فيها شقيقه الفتى «عدنان» الذي قتل عام 1975 مع أطفال ونسوة وأقارب كما يحدث في النزاعات الأهلية، وهي أفظع أنواع الحروب.
عرف رضوان لدى محبيه بلقب «مولانا» الذي يشير إلى أصوله الأزهرية، وثقافته الفقهية العميقة، وميله إلى التحدث بالفصحى، حتى خارج قاعات الدرس. وإذا كان القول السائر أن لكل امرئٍ من اسمه نصيباً، صحيحاً؛ فإن رضوان وأبا الرضا ومولانا هي وجوه متنوعة لشخصيته الفريدة. فهو في الحق والحقيقة شخصية عذبة وراضية ومكتفية وراعية، لا تفارق البسمة ملامحه، ويعامل أساتذته وزملاءه وتلامذته، معاملة الأب الرؤوف، والأخ الكبير.
عرفنا نحن الطلاب الجامعيين العرب بمصر والمغرب والخليج الباحث والكاتب رضوان السيد أول ما عرفناه مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، من خلال مجلة الفكر العربي، التي صدرت عن معهد الإنماء العربي ببيروت عام 1977، وتولى الشاب رضوان السيد القادم من الدراسة بألمانيا رئاسة تحريرها منذ عام 1979. كانت مجلة الفكر العربي طليعة المجلات الفكرية العربية آنذاك، ومع أن الدكتور رضوان ما رأس تحريرها إلا لخمس سنوات ونيف؛ فإن الفرق بدا واضحاً فيما قبل وما بعد. ولا يزال الزملاء المعنيون يذكرون له تحويله المجلة إلى منتدى فكري ونقاشي بالغ العصرية والعمق في مجالات العلوم الإنسانية. فمنذ العدد رقم 18 وإلى العدد رقم 45 صار كل عدد من أعداد المجلة كتاباً متخصصاً في موضوع، يسهم فيه كبار الدارسين العرب والأوروبيين من الجامعة الفكرة والدور، وإلى المدينة العربية والمدينة العالمية، والاستشراق والأنثروبولوجيا، والدولة والأسطورة، والفكر السياسي العالمي والتحولات، والعرب والعالم، والدين والدولة، ومصائر التجربة السياسية العربية الحديثة.
على أن هذا الأفق المعرفي الواسع والملتزم بالنهوض العربي، والتقدم العربي، والذي شارك رضوان السيد كبار المثقفين من أبناء جيلنا في فتح العيون والأذهان عليه، ما لبث أن بلغ ذروة غير مسبوقة في مجلة الاجتهاد التي أقبل على إصدارها مع الأستاذ الفضل شلق منذ عام 1988 وحتى عام 2004. فإذا كانت تجربة الأستاذ السيد في الفكر العربي محددة بالإطار المعرفي والأيديولوجي الذي كانت عليه المجلة المذكورة؛ فإن تجربة الزميلين البارزين في الاجتهاد مضت بعيداً في الآفاق الحرة، ولامست شغاف العقل والقلب لجيل كامل من الدارسين العرب والأجانب أساتذة وطلاباً للتاريخ الفكري والديني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي للتجربة العربية الإسلامية الوسيطة والحديثة.
لقد أعلن الأستاذ رضوان السيد عن مشروعين كبيرين في تاريخ أهل السنة، وفي التاريخ الثقافي العربي. ومقالاته في السنوات الخمس الأخيرة في مجلة التسامح تأسيسية من حيث الاهتمام بمنظومات القيم بين الغرب والإسلام. وتدل دراساته لعدد من المؤتمرات على اهتمام متجدد بإشكالية الموروث الديني والثقافي في وعي وعمل المثقفين العرب في العقود الأخيرة، ويذكر أنه سيكون له عمل كبير عنها. فمشروعه ذو الهم الواحد وهو على مشارف الستين، وقد صار أحد أبرز المثقفين العرب المعاصرين يبدو في أوج تألقه. فرغم الانكسارات والتصدعات من حوله وحولنا؛ تظل فكرة الأمة «الطالعة في أفق التاريخ والزمان» كما ذكر في كتابه الأمة والجماعة والسلطة هي عماد ذلك المشروع، وهي الباعثة على الأمل والعمل: «إذا أردنا أن نبقى بشراً، وأن يبقى وجودنا وجوداً إنسانياً»؛ كما ذكر في مقالته في الإصلاح السياسي العربي.
-------------